الاستغراق في اللحظة جحيم. هذه حقيقة. لكن هناك أخرى: الاستغراق في اللحظة نعيم! كيف؟
تعمّقك في اللحظة الحاضرة السلبية أساس حياة نفسية سيئة. كل شيء يمكن أن يجعلنا نستغرق في اللحظة السلبية: وضعنا المالي، نظرة جافة من شخص غريب، طول الطابور، زحام سيارات، صرفيات زوجتك، صراخ زوجك، مهمة ضاغطة في العمل، وهكذا. لكن السر الكبير والأساسي المهم الذي سيجعلك في مزاجٍ أفضل هو أن تعرف هذا: إن استغراقك في هذه الأفكار أسوأ تأثيراً على نفسيتك من تلك الظروف والعوامل نفسها.
أكبر وأهم سبب للمعاناة النفسية هو العيش في الماضي كما يقول عالم النفس ريتشارد كارلسون، وقد عالج آلاف البشر وهذه أكبر أسباب بؤسهم. أناس لديهم نِعَم عظيمة مثل دخلٍ ثابت وصحة وأهل وأمان ومُتَع ولكنهم يزيحونها بعنف لتتساقط ويضعون أمامهم آخر شيء سلبي يستطيعون التفكير فيه. كل منا فعل وقال شيئاً ندم عليه لكن الإمعان في التفكر فيه وعيشه يحول اللحظة العابرة جحيماً مستمراً. نعم هناك أشياء تضايقك، دعها تأخذ مجراها الطبيعي قليلاً، لكن إذا حان وقت ذهابها فاتركها ترحل.
وعكس ذلك اللحظة الطيبة. هنا ستلاحظ أنك تفعل العكس: بدلاً من أن تمسكها وتعيشها وتغوص فيها تجد أنك تمر بها بسرعة وبرود لأن ذهنك يتشبث بمشاغل أو سلبيات ماضية! طفلتك قد تلح عليك أن تنظر أو تستمع إليها فتزجرها لأنك مشغول بشيءٍ ما، شيء يأتي ويذهب بلا أثر على حياتك بينما لحظات صافية مع طفلة فريدة ضيّعتها. قهوة لذيذة تبتلعها وذهنك معلّق بمهمةٍ بدلاً من أن تعيش رائحتها ونكهتها. يتنفس الصبح وتشرق الشمس ولكن العقل يصوّب على مشكلة بينك وبينها سنين ضوئية. إنسان أو إنسانة رائعة أمامك لكن لا تراها لأنك غاضب من شيء حصل في العمل أو أثناء القيادة، واحد من عشرات السلبيات التي تُقلب نفسك بينها كما تُقلَّب اللحمة في سفود الشواء.
اللحظات آتية! بعضها سلبي، أكثرها إيجابي، فماذا ستفعل بها الآن؟