يقابلك وهو متلهف أن يسألك عن أمورك الخاصة التي لا تخصه، ثم تحاول أن توضح له بلغة جسد واضحة أنه تدخَّل فيما لا يعنيه. يكرر الأسئلة، ثم يعيدها بأشكال مختلفة، وقدراته العقلية المنخفضة لا تجعله يفهم أن حماقته تزداد طرديًّا مع كثرة التدخُّل في شؤون الغير.
(ملاقيف) المجتمع لا يوجد لديهم ما يفعلون، وإن فعلوا لم يتقنوا، وإن تحدثوا خلطوا الأمور ببعضها.
أهدافهم تضييع أوقاتهم وأوقات الآخرين، وطموحاتهم التدخُّل في حياة من حولهم.. لا تستغرب لو سألك في تفاصيل التفاصيل: كم وزنك؟! كم راتبك؟! لماذا فعلت هذا الأمر؟ ولماذا توقفت عن ذاك؟!! ملاقيف المجتمع يقترحون ويقدمون لك أفكارًا لم تطلبها.
يدخل منزلك، ويبدأ في ممارسة النقد، أحيانًا بشكل مباشر، وأحيانًا بشكل غير مباشر: ليتك اخترت الأثاث من المعرض الفلاني! كان من الأجمل أن يكون المجلس في الجهة الشرقية! ورق الجدران غير مناسب!.. وكأنه يريد منك أن تقوم بإتلاف كل ما عملت، والبدء من جديد وفق أفكاره ومزاجه ورغباته!
التدخُّل في شؤون الغير ظاهرة موجودة في جميع المجتمعات بدرجات متفاوتة، ولها مستويات متعددة، تبدأ من مستوى البلادة، وضَعْف الإدراك لأدبيات وفنون الحياة، وتنتهي بمن يتدخَّل في شؤون الغير لإشباع رغبة عدوانية، لا يجد لها متنفسًا سوى البحث فيما لا يعنيه لدى الشخص الذي يريد الإساءة له.
ينتقد اختياراتك ليسبب لك الأذى.. يُشعرك بأن مجالك غير مناسب، والحي الذي تسكن فيه سيئ، وطبيعة عملك مرهقة ومتعبة!!
هناك أسباب مختلفة لدى أولئك الحمقى؛ فمنهم مَن يفعلها للتسلية نتيجة للفراغ الكبير الذي يواجهه، وهناك مَن يتدخل من أجل الحصول على معلومات لاستغلالها ضد الآخرين، وهناك مَن يمارس التدخُّل في شؤون الغير من أجل إشباع حاجة الفضول المَرضية التي يعانيها.
المجتمع بحاجة إلى نضج، وإلى فهم لأدبيات الحياة، وإدراك أن التدخُّل في شؤون الغير عيب اجتماعي، ومضيعة للوقت، وهدر للجهد، وقبل كل شيء طريق خطير للنميمة والغيبة.
أفراد المجتمع من أصحاب الوعي والفكر السليم يجب أن يساهموا في نشر ثقافة الخصوصية، واحترام حقوق الآخرين، ومعرفة الخطوط الحمراء التي لا يجب تجاوزها.. ويجب أن يسهم كل منهم في إيقاف (ملاقيف المجتمع) عند حدهم، وإيقاف سلوكهم المَرضي بالتجاهل، وتعليمهم بشكل مباشر أن تصرفاتهم وأسئلتهم تقود حياتهم للتعاسة، ولن تزيدهم إلا ضياعًا وخسارة.
يجب أن نقول لشريحة (الملاقيف) أصحاب التدخُّل في شؤون الغير: ركزوا على حياتكم وأعمالكم التي ضاعت بسبب جهودكم المبعثرة في البحث عن أخبار الآخرين وانتقاد اختياراتهم.
يجب أن نقول لهم: ركزوا جهودكم على ما يجعلكم أفضل وأرقى.. تقربوا إلى الله بالأذكار والأعمال الصالحة، وأمسكوا عليكم ألسنتكم، واجعلوها تتحرك فيما يرضي الله سبحانه وتعالى عنكم.